بواسطة ماهر عبد الحميد

لم تكن قصة من نسج الخيال او اسطورة سردتها الجدات ؛ وانما قصة حقيقية زمانها يبدأ في سبعينات القرن الماضي ويمتد الى يومنا الحاضر ومكانها يتغير تبعاً لإحداث القصة فيبدأ من قرية اتروش التابعة إداريا لقضاء شيخان في الموصل والأقرب إلى محافظة دهوك العراقية وينتهي في أقصى الجنوب حيث قضاء الفاو واهوار الناصرية .

فاطمة ذات العشرة أعوام وأختها عائشة ذات الستة ، كانتا يتيمتين تعيشان مع والدهما الذي كان يعمل موظفا في زراعة دهول ، وكانتا تعانيان كثيرا من عنف أبوهما حتى اضطرتا يوما من الأيام في سبعينات القرن الماضي للهرب من محافظة دهوك الى محافظة السليمانية ومن ثم انتقلتا إلى محافظة البصرة لتلاقيا صعوبة الحياة حيث غربة الأهل وغربة اللغة وصغر سنهما .

تزوجت عائشة في نهاية الثمانينات في قضاء الفاو ، بينما تزوجت فاطمة بنت الأربع عشر خريفاً في اهوار الناصرية في كانون الثاني 1980 ، وهكذا شقتا طريقهما في الحياة وعشن حياة مريرة من العوز والحرمان .

اغلب أفراد عشيرة بني أسد ، عشيرة زوجها ، التي تسكن قضاء الجبايش يعرفون بحال " فاطمة الكردية " ام غزوان " فلهجتها المميزة ونفسها الودودة وطبعها الاجتماعي جعلها رقما معروفا بين ابناء العشيرة طيبي القلب فأصبحوا أهلها خصوصا بعدما خطفَ القدرُ زوجها "كريم " أبان حرب الخليج ولم يعرف مصيره إلى يومنا هذا ، فازداد السوء سوءاً واليتم يتماً وأصبحت فاطمة أباً وأماً، تعيل خمسة أيتام صغار ، أكبرهم بنت ثمان سنوات وأصغرهم فرحان وعمره يوماً واحداً ، في وضعٍ اقتصاديٍ لا يُحسد عليه الرجال الأشداء .

كبر أبنائها وكبرت معهم الأمنيات لمعرفة أخوالهم، وسقط نظام صدام المجرم فأصبح الذهاب إلى كردستان أمر يسير ، بدأ الابن الأصغر "فرحان" يعمل في شمال العراق وبدأ يسأل عن الاتروشيين لعله يلتقي بأحدهم واخذ يضع رقم هاتفه عند من يلاقيه عله يجد من يوصله إليهم.

في المقابل كان أب فاطمة وجميع أهلها قد بحثوا عنها واختها في كل مكان ، ولكنهم لم يتوقعوا ان تصل الى جنوب العراق ، ولم يتوقف بحثهم حتى بعد مرور عقود من الزمن فكان الأب "حميد " والاخ الأصغر لفاطمة " عبد الخالق " ينتظرون يوما من الايام من يأتيهم بخبر وجود البنتين .

وفي شهر ايار من عام 2012 كان هناك يوماً مميزاً لقرية اتروش عندما تمكن فرحان من الوصول الى احد أخواله ليقوم الأخير بالاتصال بأحد الضباط الاتروشيين الذي كان يمت بقرابة الى عائلة فاطمة فيمهد له الطرق لمعرفة فاطمة من خلال الاتصالات الهاتفية .

يروي " عبد الخالق " لجريدة الناصرية الالكترونية ان تلك الليلة كانت الأطول في حياتي حيث لم أستطع الانتظار إلى الصباح لكي آتي الى الناصرية للقاء أختي فاطمة بعد ان قامت بمكالمتها والتعرف عليها من خلال طرح الأسئلة وتابع " كانت عيناي تؤلماني لشدة البكاء واضطررنا انا وفاطمة لعدة مرات لإغلاق الهاتف النقال بسبب شدة البكاء والحال نفسه تكرر مع أختي عائشة التي تسكن قضاء الفاو الآن ولديها ذرية طيبة وزوج كريم "

ويضيف " عبد الخالق " اشكر عشيرة آل عباس من قبيلة بني أسد لأنهم احتضنوا فاطمة وقاموا بتربية أبناءها وبناتها خير تربية .

اما فاطمة التي روت لنا قصة حياتها فتقول " كان آمل العودة إلى أهلي يراودني في كل وقت ، وكان أهلي لديهم نفس الشعور ، ولما جاءني أخي والتقيته لأول مرة بعد ان فارقته وعمره سنتان كانت لحظات رهيبة وحادثة مدهشة حيث التقيت بابي وأخوتي وأهلي في قرية اتروش وقد تغير المكان كثيرا تبعا لتغير الزمان وتتابع " كانت عودتي الى القرية صدمة كبيرة بحق حيث تسبب الخبر الذي انتشر في ربوع المحافظة ان تمكنت احد أقاربي من النطق بعد ثمانية اعوام من الخرس ، وكان ابي " الذي أصابه الشلل النصفي ، نادماً على العنف الأسري الذي كان يمارسه ضدنا ففرح كثيرا لرجوعنا " .

وتشير فاطمة إلى أنها سوف تبقى في مدينة الناصرية رغم الحالة المادية الرديئة ، وسوف تزداد عزتها بوجود أهلها

قصة لم نستطع من تقليب كافة أوراقها بسبب الحرج من طرح المزيد من الأسئلة ، لتبقى الإجابات مخزونة في ذاكرة أهلها ، واذا كانت القصص التي يكتبها الكتاب تحمل معنىً وفكرة او ما يسمى (theme ) فان قصتنا لا تنقصها الفكرة والدرس الأخلاقي والتربوي ، فهي تضمر خطورة العنف الأسري على الاطفال ووجوب التعامل معهم بحنيه ورقة سيما ان كانوا ايتاماً.

قائمه


 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شناشيل  للاستضافة والتصميم

pepek