كثيرة هي الأسباب التي أودت بحكم "الأخوان المسلمين" في مصر. لكن أهمها ان الاداء السياسي للجماعة لم يكن مقنعا بالنسبة الى المصريين من غير المنتمين اليها. من الانفراد بالحكم وتجاهل المعارضة الى سلوك الرئيس السابق محمد مرسي الذي كان أشبه بزعيم حزبي أكثر منه رئيساً لكل المصريين كما كان يفترض فيه ان يكون. وكانت خطبه الثلاثة الاخيرة أسطع دليل على ضيق صدره بالصوت الآخر وبالمعترضين على حكمه.
وعليه فإن أكثر ما عجل في اسقاط حكم "الاخوان" كان "الاخوان" أنفسهم الذين رفضوا ان يخرجوا من الخطاب الحزبي الضيق الى الخطاب الوطني الذي كان يمكن ان يشكل رافعة تمكنهم من الاستمرار في الحكم مدة أطول. وكان هذا الخطأ الاكبر الذي اقترفه مرسي ومن ورائه "الاخوان المسلمون" الذين لم يستهدوا بتجربة اخوانهم في حزب العدالة والتنمية في تركيا الذين بداوا حكمهم عام 2002 باعلان الولاء للجمهورية وبالابتعاد عن كل ما من شأنه ان يثير نقمة المؤسسة العسكرية. ولم يتجرأ اسلاميو تركيا على لجم دور المؤسسة العسكرية والتصرف بحزبية ضيقة الا بعد عشرة اعوام من تسلمهم الحكم. اما "الاخوان" في مصر، فقد بدأوا حكمهم من حيث انتهى اليه "اخوان" تركيا الآن.
والخطأ الرئيسي الآخر الذي وقع فيه "الاخوان" في مصر، كان العمل بنظرية الرئيس المصري السابق حسني مبارك القائمة على ان ارضاء اميركا يمكن ان يشكل السند الاساسي الذي يمنع قيام اي تحرك يهدد حكم الجماعة. وفي هذا الاطار كان حرص مرسي على التهدئة في غزة ومنع "حماس" من خرق وقف النار مع اسرائيل ومن ثم إغراق الانفاق بين مصر والقطاع، علما ان اسرائيل لم تنفذ التزاماتها بموجب الاتفاق ولاسيما منها فك الحصار الاقتصادي عن غزة.
وكلما كان يشتد الضغط على مرسي داخليا، كان يقدم المزيد من الخدمات للولايات المتحدة. وآخر هذه الخدمات اقفاله السفارة السورية في القاهرة وقطعه العلاقات تماما مع دمشق واعلانه الجهاد على النظام في سوريا. كما ان مرسي تبنى خطابا طائفيا واضحا في الاسابيع الاخيرة لحكمه مهدت لهجوم على الشيعة في مصر، ولهجة عدائية حيال ايران و"حزب الله" اللبناني، على رغم ان طهران سعت حثيثا خلال فترة حكم مرسي الى علاقات طبيعية مع القاهرة. لكن "الاخوان" قابلوا ذلك بالحرص على عدم اغضاب واشنطن.
واذا ما اضيفت الاخفاقات السياسية الى الاخفاقات الاقتصادية، لم يبق أمام المصريين سوى التمرد، لأن الديموقراطية ليست فقط صناديق اقتراع. وبعد تجربة "اخوان" مصر، ثمة كثيرون يتحسسون رؤوسهم في المنطقة الآن.

*نقلاً عن "النهار" اللبنانية

قائمه


 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شناشيل  للاستضافة والتصميم

pepek