حين دخلت القوات الاميركية العراق عام الفين وثلاثة، لم تدخل لتغادر بل لتبقى والسبب ان وجودها ضروري لضمان مصالح الولايات المتحدة تحت عنوان العلاقات المميزة مع العراق. لكن في السنوات الاخيرة لم تعد واشنطن قادرة على ترويج ذرائع بقائها لدى الشارع العراقي بنفس الزخم.

اذا ما عدنا ستة اعوام الى الوراء، حين دخلت جماعة "داعش" الارهابية الى العراق، كانت القوات الاميركية موجودة هناك لكن شكليا وليس كما تعلن الولايات المتحدة بانها للمساعدة في ضمان استقرار ووحدة العراق.

 

ومع تغلغل ارهابيي داعش في المناطق العراقية بدأ يتكشف الدور الكبير للقوات الاميركية في السماح للارهاب بالوصول الى مناطق واسعة. كما اتضحت حقيقة ما يسمى بالتحالف الاميركي لمحاربة الارهاب والذي كان في احيان كثيرة داعما للارهابيين ومنقذا لهم عبر تهريبهم حين كانوا مقبلين على الهزيمة مقابل القوات العراقية وكل من وقف معها في محاربة الارهاب (وعلى راسهم ايران والشهيد الفريق قاسم سليماني).

 

هذا الواقع لعب دورا في تغير نظرة القسم من العراقيين الذين كانوا ينظرون الى التواجد الاميركي بشيء من التقبل وليس القبول. وفي الاشهر الاخيرة دخلت قضية القوات العراقية مرحلة جديدة، تحديدا بعد اغتيال الشهيدين الفريق قاسم سليماني والقائد ابو مهدي المهندس ورفاقهما. اغتيال كان للاطراف والاذرع الاميركية في العراق (وايضا في دول اقليمية) دور فيه. اضافة الى ان هذا الاغتيال استوجب ردا ايرانيا تمثل بقصف قاعدة عين الاسد، وفتح العيون العراقية على جدوى التواجد الاميركي الذي يستحضر المشاكل للعراقيين.

 

على هذا الاساس جاء قرار البرلمان العراقي بالزام الحكومة باخراج القوات الاميركية من البلاد. لتاتي دعوة زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لتظاهرة مليونية رفضا للتواجد الاميركي في العراق.

 

وبناء على هذه الوقائع لا بد من الحديث عن النقاط التالية..

 

اولا.. قرار البرلمان وبعده الدعوة للمليونية الرافضة للتواجد الاميركي هما نتيجة مباشرة لقرار شعبي بعدم قبول هذا التواجد، ما يعني ان المواجهة الان هي بين الادارة الاميركية والشعب العراقي (بغض النظر عن بعض الترويجات المكشوفة بان قوى واطراف سياسية عراقية تريد بقاء القوات الاميركية). و نجاح التظاهرة المليونية سيكذب ترويجات واشنطن بان قرار اخراج قواتها من العراق قرار مسيس واتخذ عبر تهديد نواب في البرلمان للتصويت لصالحه، بينما تقول التظاهرة المليونية للاميركيين بان القرار تحت اسم البرلمان لكنه بطلب من الشعب.

 

ثانيا.. لا بد من الالتفات والتركيز على التعاطي الاميركي مع الموضوع. بداية قالت الادارة الاميركية انها ستخرج قواتها من العراق اذا طلب العراقيون ذلك. لتغير موقفها لاحقا وتقول ان العراقيين يريدون بقاءها وان التصويت على قرار البرلمان كان مسيسا. وبعد ذلك خرج الرئيس الاميركي دونالد ترامب مبتزا العراقيين، بالقول انه على العراق دفع تكاليف بناء قاعدة عين الاسد اهم قواعد قواته في العراق للخروج منها، قبل ان يتحول الابتزاز الاميركي الى تهديد من ترامب بانه سيفرض عقوبات على العراق اذا طالب واشنطن باخراج قواتها.

 

ثالثا.. التعاطي الاميركي دليل على ضرورة تمسك العراقيين بمطلب اخراج القوات الاميركية. فترامب لم يحترم سيادة العراق وهو لم يحترمها سابقا حين زار قواعد قواته دون لقاء المسؤولين العراقيين. وهذا التعاطي المتمثل بتهديد العراق يعني ان ترامب لا يهتم لمصلحة العراقيين ولا يعطي اهمية الا لمصالحه الخاصة. وهذا ان كان يعني شيئا فهو ان بقاء القوات الاميركية في العراق وارتباطها بمصالح ادارة ترامب مباشرة يعني انها عامل اضطرابات لا استقرار.

 

وعليه فان مشهد العراقيين الذين يطالبون بخروج القوات الاميركية سيوصل رسالة قوية لواشنطن بان المواجهة الان هي معهم وان التهديد والعقوبات والابتزاز، يمثلون ارهاب دولة، ومن حق العراقيين مواجهة ارهاب الدولة هذا كما واجهوا ارهاب الجماعات التي مولتها ودعمتها الولايات المتحدة ودول اقليمية. وبالتالي فان التبريرات التي تسوقها واشنطن لابقاء قواتها لن تجدي لان اللاعب الاساسي الان هو الشعب العراقي.

 

حسين الموسوي - العالم

قائمه


 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شناشيل  للاستضافة والتصميم

pepek