بقلم : سعد الموصلي - معهد صحافة الحرب والسلام- على عجل ، أخلي الشارع وتفرق الناس باتجاهات عدة بعد سماعهم لصوت العيارات النارية . وسقط أحدهم جثة لاحياة فيها بفعل التراشق بالاسلحة . وبعد بضع ساعات ، غطى أحدهم وجه الضحية بقطعة من الورق كتعبير عن أحترامه للميت .هذا ما يحصل في مدينتي الموصل . فمنذ العام 2003 ، أعمل كمراسل فيها وبالاخص في صحفها المحلية . وحوادث القتل والخطف بات أمرا عاديا فيها .

و ما زال تنظيم القاعدة يزدهر في مدينتي في وقت أجبر فيه على التواري عن ألانظار والعمل سرا في بقية مناطق البلاد . فبعد ما كان يعتبر من ألاعمدة ألاساسية في التمرد المحلي بات هذا التنظيم ، والذي يعرف أيضا بأسم دولة العراق الاسلامية ، يعمل كعصابات المافيا ويمول نفسه عن طريق ألابتزاز وفرض ألاتاوات .
وبالرغم من كراهية الناس الشديدة للقاعدة فأن أشتهارها بالقسوة المفرطة جعلها مرهوبة الجانب . وعلى عكس غيرها من الجماعات المتمردة فانها لم تحصر نفسها مطلقا في مقاتلة الاميركيين حيث بينت منذ البداية عن أستعدادها في قتل العراقيين أيضا .
و في أوج الصراع الطائفي عام 2005 ، كان أمرا مألوفا أن يقوم تنظيم القاعدة بخطف أعداد كبيرة من الناس . و تلقى جثث المخطوفين وهي مقطوعة الرأس بعد ساعات في شوارع المدينة حيث يوضع الرأس المقطوع أعلى الجثة مرفقا غالبا بقرص مدمج يصور عملية ضرب عنق الشخص المخطوف . لكن الوضع تغير في الوقت الحاضر أذ لم يعد التنظيم بتلك الجرأة غير أنه ما زال يثير قدرا من الهلع في قلوب السكان .
وجاءت ستراتيجية بقاء القاعدة على قيد الحياة في الموصل ، بشكل جزئي ، كنتاج على ما واجهته من ضغوط في مناطق أخرى من البلاد أذ نجحت كل من القوات الاميركية والقوات الحكومية العراقية ، وبشكل كبير ، في قطع الطريق أمام أمدادها بالاموال والمقاتلين خلال السنوات القليلة الماضية .
ولهذا السبب ، فأن معظم أفراد القاعدة في الموصل الان هم من أهالي المدينة أو من العرب الذين هجروا من مدينة تلعفر المتاخمة للموصل . كما أضطر نقص التمويل الخارجي القاعدة الى أن تحصل على الاموال من خلال الاعمال التجارية العديدة التي ما زالت تزاولها في الموصل أذ أن موقع المدينة على الطريق التجاري المرتبط بكل من تركيا وسوريا وايران وبقية أنحاء العراق ساعدها في الحصول على الاموال للقيام بعملياتها المسلحة .
ويدفع التجار من كل عمل تجاري يمكن تصوره ، الضريبة للتنظيم حيث يساعد ذلك في دوران حركة الاقتصاد والتجارة في المدينة ويجعل الاسواق المحلية محافظة على خزينها من السلع والبضائع الضرورية كما يضمن مرور المواد ألانشائية والمنتجات الزراعية عبر حدود الدول القريبة من الموصل . ومع ذلك ، لايجرؤ أحد من رجال ألاعمال التحدث فيها هذا الموضوع مع أحد من الصحفيين ألا أن أحاديثهم العرضية مملوءة بقصص عن عمليات ألابتزاز وفرض الاتاوات التي يجبيها مقاتلو القاعدة منهم .
وخربت الشكوك والمخاوف مجتمع التجار الوثيق الصلة ببعضه البعض الذي كان يوما ما يشارك في النجاحات التجارية التي يحققها تجارالموصل كما شلت ودمرت مشاريع ومصانع ومعامل عريقة في المدينة بواسطة القادمين الجدد والذين ، على ما يبدو لهم صلات بتنظيم القاعدة .
فقد أخبرني أحد معارفي بأن أحد رجال الاعمال من الوافدين حديثا الى الموصل عرض عليه 100 الف دولار مقابل محله . وبعد البحث ، وصلته معلومة تفيد بأنه أبنه سيخطف حال عقده الصفقة مع رجل الاعمال هذا وبأن المبلغ الذي سيحصل عليه لقاء بيعه محله سيكون هو مبلغ الفدية التي سيدفعها لاطلاق سراحه .
وقال صديق آخر يعمل في مجال صيرفة العملات بأن جميع أصحاب المحلات التجارية المجاورة له يدفعون الضريبة للتنظيم أذ يزورهم وكلاء القاعدة كل شهر ويهددونهم بالقتل أو الخطف في حال عدم دفعهم الاموال . ورفض أحد الاصدقاء من الذين يملكون مولدة كهربائية ، في البدء ، من دفع ألاتاوة لكنه خضع أخيرا بعد تحذيره من أن مولدته سيتم تفجيرها .
كما أخبرني صاحب محل بأنه تلقى مكالمة هاتفية تطالبه بدفع مبلغ من المال لاحدى الجماعات المجهولة مباشرة بعد دفعه الضريبة الشهرية المفروضة عليه للقاعدة . وقد أخبر أفراد القاعدة بهذه الواقعة ومن ساعتها لم يتم أزعاجه بأي مطالب أخرى من أي مجموعة غيرها .
وليس ألاثرياء هم وحدهم ضحايا التنظيمات المسلحة كالقاعدة مثلا . فأحد الباعة المتجولين الذي يحصل على مبلغ 15 الف دينار عراقي في اليوم أو ما يعادل تقريبا 13 دولارا يدفع 30 بالمئة من أرباحه كضريبة للقاعدة .
وقد خلق الوضع الامني المتدهور والمزمن والعداوات السياسية المتفاقمة بيئة مناسبة لعمل تنظيم القاعدة في الموصل التي تضم بين ظهرانيها خليطا من السكان العرب والاكراد . فبعد مرور أكثر من عام على أنتخابات مجالس المحافظات ، لم يستطع زعماء القوميتين من التوصل الى أتفاق حول كيفية أدارة شؤون المحافظة . وتشتكي ألاقليات الدينية ، كالمسيحيين ، من انهم باتوا طعما بسبب التنافس على المصالح بين هاتين القوميتين الكبيرتين في المدينة .
وبالرغم من أزدحام شوارع الموصل بالسيطرات ألامنية ألا أنها لا تؤثر ، على ما يظهر ، على عمل المتمردين . ونادرا ما يتحدث الضباط والجنود الى الصحفيين ويشددون على انهم غير مخولين في التحدث للصحافة و الناطق الرسمي بأسم الجيش غير متوفر أيضا . كما يبدو أن القوات ألامنية تعيش في عالم آخر عن سكان المدينة الذين يشعرون بأنهم في واد ورجال الامن في واد آخر .
لكن أحد أصدقائي قال لي بأن تقارير السلطات تورد نصف الحقيقة وليس الحقيقة الكاملة . ولا يتفق غالبية التجار مع أفكار تنظيم القاعدة ويجبرون على دفع المساعدات المالية له . وقد وعدت الحكومة بالقضاء على الفساد المستشري في الدوائر الرسمية وعلى نفوذ المتمردين فيها .
ومع ذلك ، يتساءل الموصليون عن مدى سهولة عمل ذلك حيث يعتقد معظمهم بأن المتمردين يمتلكون علاقات وثيقة داخل دوائر الحكومة وخاصة معرفتهم بجميع العقود والعطاءات التي تطرحها وتعقدها الحكومة المحلية . كما أخترق تنظيم القاعدة ، وبصورة كبيرة ، ألاجهزة ألامنية في المحافظة .
وأثناء تمتع شرطي صديق لأحد أصدقائي مع ثلاثة من زملائه بأجازتهم ألاعتيادية خارج الموصل مؤخرا صعد أحد المتمردين الى الحافلة الصغيرة التي كانوا يستقلونها ، وكانوا حينها يرتدون ملابس مدنية ، طالبا منهم النزول منها ألا أن واحدا منهم أخبره بانه ترك سلك الشرطة منذ زمن بعيد . غير أن المتمرد أخبره انه ما زال شرطيا وأراه نسخة من قائمة الرواتب قائلا له " أليس هذا توقيعك ؟ وهو يؤكد أستلامك لراتبك منذ يومين ؟ .............
و قال الرجل الذي روى لي هذه القصة بأن الرجال ألاربعة أقتيدوا خارج الحافلة ولم يسمع أي خبر عنهم من ساعتها .

كتابة : سعد الموصلي ، هو الاسم المستعار للصحفي المتدرب في معهد صحافة الحرب والسلام من الموصل .
ترجمة : كريم حلمي

قائمه


 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شناشيل  للاستضافة والتصميم

pepek