ناشد العراقيون حكومتهم المقبلة ببذل جهود أكبر من أجل حل مشاكل المياه المستعصية في وقت يقول فيه الخبراء بأن الماء سيصبح أكثر أهمية من النفط في خطط التنمية البعيدة المدى للبلاد .ومع أن ألامطار التي هطلت مؤخرا أعطت الناس الاحساس ببعض الارتياح بسبب معاناتهم من الجفاف ألا أن المشكلة التاريخية لندرة المياه أرغمت عشرات الاف من سكان القرى والارياف على هجرمنازلهم الى مناطق أخرى

وحسب تقديرات الحكومة فان ما يقرب من مليوني أنسان يواجهون نقصا حادا في مياه الشرب كما يحصلون على ساعات محدودة جدا من الطاقة الكهربائية بسبب نقص في القوة الكهرومائية .
وأخذت حدة التوتر الدبلوماسي بالتصاعد في آلاونة ألاخيرة بعد ما يبدو عدم أيفاء دول منابع الانهار كتركيا وسوريا وأيران السماح بتدفق المزيد من المياه . وقد شجب وزير الخارجية هوشيار زيباري هذا الاسبوع خطة سوريا بتحويل مياه دجلة لري حوالي 200 الف دونم من اراضيها الزراعية على انها مضرة بحصة العراق المائية في المستقبل .
كما وصف وزير الكهرباء كريم وحيد الخطوة السورية ب" الصدمة " مما ستسبب " الاحراج " لوزارته وتقوض من التزاماتها بتوفير الطاقة الكهربائية . ودان الوزيران الخطة بأعتبارها انتهاكا للاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق دول المصب المائية .
ويقول مدير المركز الوطني العراقي لادارة الموارد المائية في وزارة الموارد المائية ، الدكتور عون ذياب العجيلي ، بأن " الحكومة الجديدة ستواجه تحديا بخصوص مسألة المياه ولاخيار لديها سوى التعامل مع هذا التحدي . وأنا على علم بان العراق يواجه أكثر من معضلة ولكن هذه المسألة لايمكن أهمالها . ولايهم ما ستركز عليه الحكومة القادمة لان هذه المشكلة ستفرض نفسها على غيرها من المشاكل " .
مضيفا " وأول خطوة الواجب على الحكومة المقبلة أتخاذها هو التوصل الى أتفاق مع تركيا بالاضافة الى ايران وسوريا لاجل الحصول على كميات جيدة وثابتة من المياه الداخلة الى العراق يوميا لان الوضع الحالي للمياه هو ان الكميات تكون جيدة هذا اليوم وسيئة في اليوم الثاني . ولتحقيق هذا الهدف يجب عقد أتفاقية بين العراق وهذه الدول وليس فقط بين وزيري الموارد المائية لدولتين. وهذا يعتمد على العلاقات الدبلوماسية الموجودة بينهما " .
وقال مسؤولون عراقيون في السابق بأن الاهتمامات ألامنية حالت دون تنيمة وتطوير سياسة مائية متقدمة . ومع الاستقرار الامني النسبي الذي شهده العراق خلال الفترة القليلة الماضية ، يدعو الخبراء في الوقت الحاضر الى وضع خطة لمعالجة المشكلات المائية التي ابتليت بها البلاد من خلال أزالة الملوحة من الاهوار في الجنوب والى الانقراض الوشيك لانظمة الري التقليدية والمعروفة ب " كريز " في الشمال .
ويورد تقرير منظمة اليونيسكو التابعة للامم المتحدة بأن 100 الف عراقي غادروا مناطقهم ألاصلية منذ العام 2005 بسبب شحة المياه . فيما يدعي تقرير آخر للامم المتحدة بأن مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات ، وهما المصدران الرئيسان للمياه في العراق ، أنخفضت الى أكثر من الثلثين . وحذر التقريرمن ان الطرق الحيوية التي تستخدم في نقل مواد العيش الاساسية والمعتمدة على المياه قد تجف بحلول عام 2040 .
ويقول التقرير ألاممي بأنه " مع معدلات المياه الحالية ، ستنخفض واردات العراق المائية بنحو 43 مليار متر مكعب عام 2015 أي أقل بكثير من ما تحتاجه البلاد وهو 77 مليار متر مكعب لتفادي كارثة أنسانية واسعة النطاق " .
وبحسب البحث الذي أجرته ألامم المتحدة فأن " أساليب الري غير الفعالة ونقص التنسيق الحكومي وضعف القدرة في ادارة الموارد المائية هي التي أدت مجتمعة الى الشحة الحالية في المياه . و بعد سنين عديدة من الاهمال أبان النظام السابق ، ما زال خبراء المياه العراقيون يعانون من نقص في ألامكانيات الفنية الكافية والمعرفة في تشخيص أزمة المياه المتفاقمة . كما أن حبس الميزانية المخصصة لمجال الموارد المائية وقفت حائلا أمام قدرة الحكومة في تنفيذ خطة أدارة المياه البعيدة ألاجل " .
والمشاكل ألاجتماعية المرتبطة بقلة المياه أمر مألوف في العراق حيث يشتكي صيادو الاسماك في الجنوب من تناقص أعدادها . كما أدى نقص المياه المخصصة للاراضي الزراعية الى أنخفاض أنتاج البلاد من الحنطة . ولهذا السبب ، يستورد العراق حاليا 80 بالمئة من غذائه و أصبحت 90 بالمئة من أراضيه اما صحراء أو " تعاني من تصحر شديد " .
ويقول الدكتور العجيلي بأن " الماء أهم بكثير من النفط للعراق لان لدينا أراض زراعية والتي تصبح بدونه أرضا لافائدة فيها . فالزراعة هي المستقبل وعلى الحكومة الجديدة أن تعي ذلك " .
وكان التأثير السياسي للعلاقات المائية مع دول المنبع حاضرا في التقرير ألاممي حيث يقول " نحن نعتقد بأن المشكلة بين العراق وجيرانه لها بعد سياسي لانها هذه الدول تحاول ممارسة ضغط على الحكومة العراقية للحصول على بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية . وقد بدأت للتو المناورات لتحديد كمية المياه التي لابد أن يحصل عليها العراق " .
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد ، الدكتور محمد الزبيدي ، بأن المياه تمثل في الوقت الراهن عنصرا محددا لعلاقات العراق الخارجية . ويضيف الزبيدي " أصغي الي ولا تكن ساذجا . ان دول المنبع تسيطر على دول المصب لانها تتحكم بواردات المياه وهذا ألامر يعطيهم ألافضلية في بقية المجالات أيضا . ودعنا نتحدث بخصوص تركيا وسوريا . فنحن نخشى أن يطالبوا العراق بتزويدهم ببرميل نفط مقابل برميل ماء . وسيأتي هذا اليوم قريبا اذا أستمر العراق في أتباع هذه الستراتيجيات الجاهلة في ادارته المدمرة المياه " .
وتدعي حكومة بغداد بأنها تقوم بدورها في السعي للحصول على المياه اللازمة للعراق كما أنها تمارس ضغطا دبلوماسيا على دول المنبع .
ويقول رئيس لجنة الزراعة في المجلس النيابي العراقي ، النائب جمال البطيخ ، بأننا " شكلنا وفدا لزيارة كل من تركيا وايران وسوريا للتحدث معهم بشأن تقاسم المياه معنا لاننا نواجه معضلة خطيرة في هذا المجال . وقد أرسلنا لهم رسائل نطالبهم فيها بأعطائنا مزيدا من المياه " .
وقد رفضت دول الجوار العراقي في أنتشال العراق من كارثة نقص المياه التي يعاني منها .
وقد حذر الاستاذ في قسم العلاقات الدولية بجامعة بيلكنت التركية ، مصطفى كايبرأغولو ، من أن الماء قد يصبح مصدرا للصراع في السنوات القادمة .
ويقول كايبرأغولو " لم تقع أي مواجهات ولم تحصل أي توترات خطيرة جراء عدم تحقيق مطالب الاطراف عن كيفية تقاسم المياه لحد الان ولكن هذه القضية يجب أن لا تضلل الخبراء وتحملهم على الاعتقاد بأن أمرا كهذا سوف لن يحصل مستقبلا " .
مضيفا بانه " ما لم يتم التخلص من بعض السياسات المائية القديمة وتستبدل بسياسات جديدة فان هناك أحتمال حقيقي بأن يصبح هذا ألاقليم كقنبلة موقوتة سببها حقوق تقاسم المياه بين دول المنبع ودول المصب " .
كتابة : سليم الحسني وباسم الشرع ، الصحفيان المتدربان في معهد صحافة الحرب والسلام – بغداد
ترجمة : كريم حلمي

قائمه


 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

شناشيل  للاستضافة والتصميم

pepek